ترشيد تعامل الأطفال مع وسائل الاعلام وقت الكوارث والأزمات

د. مأمون مبيّض

استشاري الطب النفسي ومدير العلاج والتأهيل

الاطفال والأثار النفسية في وقت الكوارث والأزمات

- من نعم الله أنه وضع في الأطفال قدرة عالية على التحمل والمناعة النفسية أمام الصدمات، فبالرغم من إصابتهم بالانزعاج الشديد وقت الأزمات، إلا أنهم قادرون مع الزمن، ومن خلال التعبير عن مشاعرهم، على العودة إلى الحياة الطبيعية أسرع منا نحن الكبار. وقد لا يستفيد الأطفال من جلسات طويلة مليئة بالأسئلة، وإنما يُفيدهم أكثر معلومات بسيطة مباشرة وواضحة على تساؤلاتهم، وأن يُستمع إليهم إذا رغبوا بالكلام. وهذه هنا بعض النصائح في التعامل مع الأطفال في حالة الحروب:

- لا تسرع في افتراض ما يمكن أن يكون قد فهمه الأولاد من الأحداث، ولا تفترض أن مشاعرهم تجاه حدث ما أشد من مشاعرك أنت. فردود فعل الأطفال للأحداث تختلف كما ذكرنا سابقاً بحسب أعمارهم، وقربهم من الأحداث، وشخصياتهم، وتجاربهم في الحياة، وما قد سمعوه عن الأحداث، وأسلوب أسرهم في الحوار والخطاب. إن قلّة المشاعر التي قد تظهر على الطفل لا تعني بالضرورة أنه يخفي حقيقة مشاعره.

- من أفضل ما يعين الطفل هو أن نفهم تماماً سؤاله قبل الإجابة عليه، فقد يشير السؤال أحياناً إلى مشاعر معينة أو فكرة يحملها الطفل. والأفضل أن تتفهم الدوافع التي تقف وراء سؤاله، وخاصة عندما يكون السؤال صعباً. ويمكنك عندها أن تسأل الطفل مثلاً: "وما الذي يجعلك تفكر في هذا؟" أو "أخبرني بم كنت تفكر لتطرح هذا السؤال!" وعندما تعرف مغزى السؤال يمكنك عندها تقديم الإجابة الفعالة.

- قد يطرح الطفل أسئلة لا يستطيع أحد الإجابة عليها، وقد تجعل الأهل يشعرون بالارتباك والانزعاج، ويقلقون أن الطفل لن يشعر بالأمان إذا لم يعطونه الإجابات المناسبة. وعادة ما يرتاح الأطفال والمراهقين، مثلنا نحن الكبار، للحديث المباشر والصريح، فبدل أن تدلّس على الطفل يفضل أن تقول له: "لا أدري!" أو "سأحاول أن أبحث لك عن الجواب".

- قد تضطر الأسرة إلى تغيير نظامها الحياتي المعتاد لبعض الوقت، فاحرص على إعادة نمط هذه الحياة إلى طبيعتها المعتادة لما في ذلك من إدخال شيء من الاطمئنان إلى حياة الأسرة والأطفال، كما ذكرنا سابقاً.

ترشيد التعامل مع وسائل الإعلام

يدرك معظم الناس الآن أن المعلومات والأخبار أصبحت أكثر انتشاراً وأسهل في الحصول عليها، وأنها متاحة للصغار والكبار سواءً من التلفاز أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الشبكة العنكبوتية أو الصحف والمجلات. وعموما يجب الانتباه إلى نوعية وكمية الأخبار التي يتلقاها الأطفال وخاصة الصغار منهم، فإنه لا يُنصح أن يطلع الأطفال على كثير من هذه الأخبار، أو على المشاهد المخيفة من القتل والدمار. وقد يحتاج الأهل الحدّ من كمية هذه الأخبار ونوعيتها، وسنأتي إلى هذا الموضوع بعد قليل. المهم أن نساعد الطفل على استيعاب هذه المعلومات وفهمها لإدراك الحقائق وتصحيح سوء الفهم لديه إن وجد، ونساعده على الخروج من تأثيراتها بما نعطيه من الأمل في المستقبل. ولابد من التعرض لمشاعر الطفل عن هذه الأخبار أو الأحداث، وليس مجرد الاهتمام بالجانب الفكري أو المعرفي. ولا ننسى أن مثل هذه المواضيع تتيح فرصة طبيعية ليتحدث الوالدان عن نظرتهما ورأيهما في أمور متعددة مرتبطة بالموضوع، كالحروب، وقضايا العدل والظلم، أو العصبية والموضوعية، أو التسامح والكراهية، أو العنف واللاعنف، أو المواقف النمطيّة عن الناس، أو أهمية التعاون والعمل المشترك ووحدة الصفّ، والتضحية والعطاء، وغيرها من أمور الحياة.

ومن المعروف أنه تكثُر هذه الأيام النشرات الإخبارية والبث الإعلامي وقت الحروب والنزاعات، فهي على مدار الساعة، ليل نهار. وتسبب الكثير من هذه المعلومات والصور المرافقة الانزعاج والألم للكبار، فمن باب أولى أن تؤثر في الصغار والأولاد.

 ويمكن للآباء والمعلمين والمربين الحد من التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام بمتابعة ما يتعرض له الأولاد من هذه الوسائل. وتعين الإرشادات التالية في الحد من تلك التأثيرات السلبية للإعلام

التأثيرات السلبية للإعلام

1- لا تفترض أن الأولاد لا يعرفون ما يجري من أحداث، فمن المستحيل تقريباً في هذا العصر ألا يلاحظ الأولاد ما يدور من أحداث، فكثير منهم يرون ويسمعون أكثر مما نتوقع، ومن هنا تأتي أهمية سؤالهم عما رأوه أو سمعوه، وعن مشاعرهم حول هذه الأحداث.

2- تنبه إلى علامات إصابة الأولاد بالقلق، فبعض الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالقلق من غيرهم عندما يتابعون نشرات الأخبار، وذلك بحسب أعمارهم ومزاجهم. ويزداد احتمال تعرض الأولاد للقلق إذا كانوا هم أنفسهم ضحايا للعدوان أو الأذى في السابق، كحرب أو عنف، أو إذا كان لهم أقرباء وأسر تعيش في منطقة الحرب أو النزاع، أو إذا كان لهم أقرباء في الجيش أو خدمات الإسعاف.

3- انتبه لما يشاهده الأولاد، وحاول حمايتهم من الصور المؤثرة والمعلومات المزعجة في بعض البرامج المعروضة. حاول ألا ترتكب الخطأ الذي ترتكبه بعض الأسر عندما يبقون التلفاز يعمل طوال الوقت، حتى ولو لم يكن أحد يشاهد ويستمع، وتجنب متابعة بعض مشاهد التدمير والعدوان التي تكررها وسائل الإعلام مرات ومرات وعلى رأس الساعة.

4- ساعد أولادك الكبار على تحليل بعض المشاهد الإخبارية، فهذه فرصة مناسبة ليتعلم الأولاد كيفية عمل وسائل الإعلام، فيمكنك مشاهدة بعض النشرات الإخبارية مع الأولاد الكبار ثم الحديث عنها وتحليلها، واشرح لهم كيف أن الإعلام مهنة وأن القائمين عليه يسعون إلى كسب العدد الأكبر من الزبائن والمشاهدين، ولذلك يستعملون وسائل متعددة تؤثر في الإخراج الفني لهذا الإعلام.

5- وسع دائرة المعلومات، فحاول مثلا أن تنوع وسائل الإعلام التي تأتيك بالأخبار بين التلفاز والشبكة العنكبوتية والصحف، مما يضمن بعض الحيادية للمعلومات، وربما تحتاج أحياناً إلى الرجوع إلى كتب التاريخ وأطلس الخرائط.

6- أكد على مبدأ العدل واحترام الحياة، فاشرح للأولاد كيف تثير بعض الأخبار في الإنسان الكثير من عواطف ومشاعر القلق والخوف والغضب، وأنها قد تكون موجهة إلى مجموعة من الناس أو إلى بلد ما. ونبه الأولاد إلى المواقف النمطية التي يتخذها الناس، وكيف أن في هذه المواقف تبسيط كبير لأمور متعددة، وكيف أنها قد تكون خطيرة وضارة، واشرح لهم كيف أن العدل والسلام أفضل من الحقد والانتقام والعدوان.

7- أكد على الإيجابيات التي يمكن أن تنشأ عن الأزمة، فاشرح للأولاد كيف أن الحروب والنزاعات لا شك تسبب عواطف الحزن ومشاعر المواساة مع الضحايا وأسرهم، وأن كل هذا يُنشئ بين الناس مشاعر التعاطف والتضامن والتكافل، وكما هو حاصل الآن من تعاطف الكثير من شعوب العالم

8- استحث العزيمة الإيجابية لدى الأولاد عوضاً عن الشعور بالعجز، فمثلا حثّ الأولاد على أداء عمل إيجابي في نطاق الحرب أو النزاع، كجمع التبرعات أو الخروج في المظاهرات أو حضور ندوات الحوار أو كتابة رسائل الاحتجاج إلى الصحف أو السياسيين، فهذا أنفع لهم، ولنا نحن الكبار أيضا، من مجرد التعاطف والشعور بالإحباط والعجز عن تقديم ما ينفع.

9- وأخيرا، لا تتردد في حزم الأمر، فإذا رأيت وجوب التقليل من أوقات متابعة نشرات الأخبار، أو الصور المعروضة على التلفاز، فافعل ما تراه صحيحا، لكَ ولأسرتك ولأطفالك.

سجل تفاصيلك الآن وسنتواصل معك