الصدمات النفسية: ما هي، وكيف نتعامل معها وقت الكوراث والازمات؟ 

د. مأمون مبيّض

استشاري الطب النفسي ومدير العلاج والتأهيل

الصدمات النفسية

عندما نتعرض لحدث يخيفنا أو يفزعنا فإننا قد نكون عرضة لما يسمى بالصدمة النفسية. وكذلك عندما تتعرض حياتنا أو حياة من نحبّ للتهديد بالخطر أو التعرض للأذى، أو عندما يُقتل قريب لنا أو صديق. وإلى حدّ كبير فإن هذه الصدمة إنما هي ردة فعل إنسانية طبيعية تجاه حدث غير طبيعيّ طرأ علينا.

ومن المهم الانتباه إلى أننا يمكن أن نتعرض للصدمة النفسية من مشاهدة مثل هذه الحوادث، ولو لم نكن نحن الضحية، وحتى عندما قد لا نكون طرفا فيها بشكل أو بآخر.

ومن الأمثلة على هذه الأحداث التي قد تسبب الصدمات النفسية ما يلي:

  • النزاعات والحروب والاقتتال والتدمير، وكما هو الحال في الأحداث الحالية في سورية.
  • المظاهرات السياسية ومظاهر الاحتجاج وما قد يرافقها من العنف والقتل.
  • الاعتقال والتعذيب.
  • الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات وحوادث الطائرات.
  • الحوادث المدنية كالحرائق وحوادث المرور.
  • الأمراض الخطيرة أو المميتة كالسرطانات.
 حالات الاعتداء والضرب والسرقة والاغتصاب

الاجهاد النفسي عقب الصدمات (PTSD)

ويمكن إذا ما طالت حالة الصدمة النفسية أو زادت شدتها كثيرا، فيمكن أن نصاب بحالة مرضية تسمى "الإجهاد النفسي عقب الصدمات"، وهي عبارة عن ردة فعل نفسية تتصف بالتوتر والقلق وبالكثير من الأعراض التي يجب عندما نشعر ببعضها ولمدة أكثر من شهر بعد، لذا وجب عندها العمل على طلب المساعدة من أجل تأكيد التشخيص، ومن ثم العلاج.

أعراض الإجهاد النفسي عقب الصدمات (PTSD)

1- تكرار مشاهد الحدث الصادم في مخيلتي وأشعر كأنني أعيشه من جديد (الذكريات الراجعة) بشكل من الأشكال التالية:

  • الأحلام والكوابيس الليلية المزعجة حول الحادث أو ما له علاقة به.
  • الأرق وصعوبات النوم.
  • الشعور بالكثير من العواطف والمشاعر عند تذكر الحادث، وإظهار ردات فعل عاطفية شديدة منها البكاء أو الغضب أو الشعور بالذنب.
  • الشعور بالكثير من العوارض الجسدية عند تذكّر الحادث كتسارع دقات القلب، والتعرق، والارتعاش... وغيرها.
  • الاكتئاب والقلق الشديد والتقلب المزاجي

    2- ألاحظ ُ منذ الحادث أنني:

  • فقدت الرغبة في القيام بالأعمال المسلية والمرحة التي كنت أستمتع بها.
  • لا رغبة عندي في القيام بالكثير من الأعمال التي اعتدت عليها في الماضي.
  • لدي صعوبات بالنوم أو البقاء نائما لمدة طويلة.
  • لدي صعوبة في الانتباه والتركيز.
  • أشعر بأني بعيد عن الناس الآخرين، ويصعب عليّ الثقة بأحد.
  • أشعر ببعض الخدر وحالة من اللاشعور، فيعصب عليّ إظهار مشاعر الحبّ حتى نحو الأشخاص القريبين مني كثيرا.
  • أشعر بالنزق الشديد والانزعاج لشدة نوبات الغضب التي تأتيني.
  • أشعر بشيء من اليأس، وبدنوّ أجلي وكأنني لن أعيش طويلا، فلا فائدة من التخطيط للمستقبل.
  • أصاب بنوبات من الذعر والقلق الشديدين، وأشعر بسرعة التوتر والانفعال لأي صوت أو حدث مفاجئ أمامي.
  • أصاب بحالة متكررة من الخوف، وأشعر بشدة الحذر والتنبه الدائم لما يدور حولي.
  • بعض المشكلات النفسية والطبية الممكنة بسبب الحث الصادم

    • بعض الآلام الجسدية والصداع.
    • اضطرابات مَعِدِيّة.
    • اضطراب النوم.
    • حساسية واندفاعات جلدية.
    • ضعف الشهية ونقص الوزن.
    • الشعور بالتعب العام وقلة الطاقة.
    • زيادة الرغبة باستعمال الأدوية والمسكنات

    ماذا تفعل عندما تشعر ببعض الأعراض

    إذا كنت تعاني من بعض هذه الأعراض السابقة ذكرها، فمن المهم لسلامتك وحياتك أن تراجع أخصائيا كطبيبك، أو تتكلم مع أحد ممن لديه خبرة في المجال الصحيّ.

    الدعم المطلوب للتعافي من الاجهاد النفسي عقب الصدمات

    إن الدعم والتشجيع المقدم من الأسرة والأصدقاء والجيران سواء في الحيّ أو في أماكن العبادة كالمسجد له قيمة كبيرة في رحلة الشفاء بعد الحادث أو الإصابة، كما أن محاولة تجنّب كل ما يذكّر بالحادث، مثل الأفكار المتعلقة بالحادث، أو الحديث الذي كان يدور وقت الحادث أو الأشخاص والأماكن والأعمال التي تذكر بالحادث سيساعد في سرعة التعافي.

     ولكن تبقى هناك حالات نحتاج فيها لعون خبير أو اختصاصي طبيّ أو نفسي في علاج ومساعدة مثل هذه الحالات، بالإضافة لهذا الدعم الأسري والاجتماعي.

    وقد أجريت دراسات كثيرة عن أهم طرق المعالجة لحالات الإجهاد النفسي عقب الصدمات، ومن أهمها الطرق التالية:

    أهم طرق معالجة حالات الاجهاد النفسي عقب الصدمات

    المعالجة النفسية المعرفية السلوكية

    تعتبر هذه طريقة من طرق الإرشاد النفسي، حيث يتمّ التركيز على المواضيع المتعلقة بالموقف الحالي، وليس أحداث الماضي البعيد، كما يجري في طرق أخرى للعلاج النفسي.

    وفي هذه المعالجة المعرفية السلوكية يتمّ التعرف على آليات تفكير الشخص المصاب، وكيف تؤثر أفكاره في عواطفه ومشاعره. فقد توجد لديه آليات غير صحيّة للتفكير لا تساعده على الشفاء، وإنما تعمق مشاعره السلبية عن الحادث أو الصدمة. ويتمّ من خلال هذه المعالجة تغيير أو تعديل مثل هذه الأفكار، وتستبدل بأفكار أكثر إيجابية وأكثر مناسبة للمصاب. ونتيجة هذا تصبح مشاعره وسلوكه أيضا أكثر إيجابية، مما يعينه على تجاوز حالة الأسى التي كان يعيشها.

    المعالجة النفسية عن طريق تحريك العينين

    وتقوم هذه المعالجة على فكرة أننا عندما نصاب بصدمة عقب حادث ما، فإننا نمرّ بهذه التجربة بشكل حسيّ جسديّ، بحيث يحتفظ جسدنا بذاكرة هذا الحادث فلا يسمح لها بالمغادرة.

    وتجري المعالجة عن طريق حركات متكررة للعينين لتثير دماغنا ليعيد ترتيب التجربة الحسيّة للصدمة، وتحويلها لذكريات مجردة، بعد أن كانت ذكريات ملتصقة بالمشاعر الحسيّة الجسدية.

    وهذه المعالجة تؤثر أكثر ما تؤثر في علاج الخيالات والصور الذهنية التي تفرض نفسها فرضا على مشاعر المصاب كالصور والذكريات الراجعة، وكوابيس النوم ، وتخفف من الذكريات شديدة القوة. وهي تقوم على بعض مبادئ المعالجة المعرفية السلوكية بالإضافة لتحريك العينين. ونحتاج لهذه الجلسات العلاجية على يدّ شخص متدرّب على هذه المعالجة.

    العلاج الدوائي

    ويمكن تحت إشراف طبّي استعمال بعض الأدوية والعقاقير المساعدة في علاج بعض أعراض الإجهاد النفسي عقب الصدمات، كاضطرابات النوم أو الاكتئاب.

    ومن المهم طبعا الحصول على استشارة طبية مناسبة حول أفضل طريقة لعلاج أعراضنا.

    أقوال ونصائح بعض المصابين بالإجهاد النفسي حول ما وجدوه معينا لهم

  • طلب المساعدة من اختصاصي في علاج الإجهاد النفسي، وأخذ الوقت الكافي للشفاء ودون استعجال أمر في غاية الأهمية.
  • المحافظة على الممارسات الإيمانية كالصلاة وتلاوة القرآن والدعاء، ومحاولة تخصيص وقت مناسب للتأمل والتدبّر عامل مهم للشعور براحة كبيرة.
  • التغذية السليمة تساعد في التعافي سريعا.
  • التمارين الرياضية تساهم في تفريغ شحنات الغضب بسرعة أكبر.
  • مراجعة طبيب الأسرة وإخباره بأحوالنا تساعد في تخفيف حدة الإصابة.
  • يجب إخبار الناس من حولنا وبصراحة بما نريد منهم، ويفضل تحديد شخص أو عدة أشخاص نرتاح للحديث معهم بصراحة عن مشاعرنا.
  • محاولة التعرف على الأفكار والتصرفات والعواطف السلبية المؤذية لتجنبها، ومحاولة تطوير العادات الإيجابية في السلوك والأفكار والعواطف.
  • محاولة تجنب الظروف والمواقف التي تسبب الكثير من الانزعاج أو التوتر.
  • محاولة الاستفادة من النظم الطبيعية المتوفرة للدعم كالأسرة والأقرباء والأصدقاء.
  • كتابة المذكرات عن تطوّر مشاعرنا وتحسّن أحوالنا تساعد في تحسن النفسية.
  • التواصل مع الذين كانوا يعانون من الإجهاد النفسي سابقا والذين تماثلوا للشفاء إن أمكن، عامل مساعد للتعافي.
  • التسامح وعدم التشدد كثيرا مع أنفسنا "إن لنفسك عليك حقّاً .." كما قال الرسول الكريم.
  • محاولة تقديم الدعم للآخرين، كما نتقبل نحن مساعدة الآخرين.
  • إذا كنتَ في شك، فاستشر، وما خاب من استشار.
  • سجل تفاصيلك الآن وسنتواصل معك